بعد أسبوع~ مملكة زيوس-العاصمة.

أمام مبنى شركة فرناستي، توقفت عدة عربات تبدوا فخمة ومهيبة، وحولها توزع عدة رجال بأزياء الفرسان على خيولهم؛ كشركة عالمية تنافس على المراتب الأولى، فمن الطبيعي أن تمتلك دزينات من الفرسان للحفاظ على أمانها.

كما تواجد أفراد آخرون بأسلحة ودروع مختلفة؛ هم المغامرون الذين تم توضيفهم من طرف الشركة. وكذا بعض الخدم الذين ينقلون الأغراض المختلفة نحو العربات.

أمام الباب الضخم للمبنى حيث مر الخدم وهم يحملون أغراضا وينقلونها للعربات، وقف رجل بشعر أشقر شاحب وعيون زرقاء فاتحة كلون البحر، إرتدى ملابس فخمة وخشنة قليلا، بما أن موسم الشتاء إقترب، فقد كان الجو غائما منذ الصباح منذرا بمطر غزير.

حمل وينستون فرناستي عدة وثائق في يده وناقش بهدوء مع خادمه المخلص سيباستيان، والذي ما يزال يرتدي ملابسه الرسمية مع معطف أسود خشن، بدى حقا كرئيس خدم منزل نبيل وبخاصة مع شعره الأشيب.

بينما ما يزال مشغولا، تقدمت نحوه خادمة وتحدثت بهدوء كما غادرت بنفس الطريقة بعد إماءة وينستون.

ناول الأوراق في يده لسيباستيان الذي غادر وغير تعبيره لمبهج قليلا وهو يرى القادم نحوه من بعيد.

" سيد جوليان! لقد كانت لفترة، آمل أنك كنت بخير".

-" سيد وينستون، شكرا على استضافتك لنا!".

على بعد عدة أمتار تقدم فتى- بيدو في الرابعة عشر من عمره وبملابس أنيقة وشتوية سوداء- من وينستون، تمايل شعره الأبيض الفضي مع الرياح، وكشف عن عينيه الخضراء بلون العشب النظر تحته. رغم نظرته وابتسامته الهادئة إلا أنها لم تخفي الحدة خلف قناع الهدوء.

هذه المرة الأولى التي يظهر في جول بمظهره الحقيقي في مملكة زيوس، رغم استخدامه للوهم على عينه اليسرى الحمراء إلا أنه لم يغير من مظهره كثيرا.

لكن هذه المرة لم يظهر وحده، بدلا من ذلك وقف خلفه 'طفلان' كما بدا في نظر وينستون بمعطفان أسودان سميكان كمعطف جول، أحدهما فتى يبدو أكبر من جول بسنتين ربما، بشعر أسود فحمي وعينين بنتين مشتعلتين. كان ألفا يقف خلف جول على جانبه الأيمن كحارسه.

وعلى الجانب الآخر وقفت بيتا بذات التعبير والمظهر الهادئ المخالف لطبيعة عمرها والتي وصلت للثالثة عشر.

قبل يومين تقريبا كان ألفا قد عاد من مهمته في إقليم الماركيز. نتيجة لذلك كان يرافق جول اليوم.

في مملكة يشرع فيها تداول العبيد، سيكون أنصاف الوحوش سلعا نادرة، سيكون الأمر كتواجد ذهب يلمع بين القمامة.

وهنا استخدم جول الوهم على الشقيقين وأخفى آذانهما وكذلك غير من لون عينيهما الذهبية للبني الشائع.

" دعنا ندخل ونتحدث، هل تود شرب شيء؟".

-" حسنا، فقط شاي ساخن".

بعد تحية بسيطة ومصافحة، قاد وينستون جول والأخوين للداخل.

بعد جلوسهم في مكتب وينستون الذي بدا خاليا تقريبا سوى من الطاولة والكراسي.

ناولت الخادمة ثلاث أكواب شاي زجاجية ووضعتها أمام الثلاثة المصطفين في الأريكة المقابلة لوينستون.

أمسك جول فنجان الشاي وارتشف قليلا.

" إذن متى ستبدأ الرحلة؟".

طرح جول سؤالا مباشرا، قد يبدو ذلك وقحا لكن وينستون لم يمانع ذلك. كان الفتى ذو المظهر الخادع أمامه مغامرا ذو تصنيف دولي، وأكثر من ذلك أنه الإبن الثالث لمنزل الدوق الوحيد لمملكة القارة الغربية والأقوى من بين جميع الممالك البشرية الأخرى.

بعد لقائه مع جول لأول مرة، كان قد أجرى تحريات عميقة واكتشف الهوية الحقيقية له.

رغم أنه تم اعتبار جوليان فون فيلدمينت كمفقود منذ حوالي أقل من عقد، إلا أن هذا لا يعني أنه خسر مكانته. ومع الإضطربات الأخيرة التي وقعت في المملكة الشمالية الغربية في القارة العظمى، فقد تربعت مملكة دي بورغو على عرش أقوى مملكة بشرية، مما رفع من مكانة جول أكثر.

" بعد ربع ساعة ستكون التجهيزات قد تمت".

كان ذلك قبل أسبوع.

مع تلقي وينستون لرسالة مفاجئة من جول، كان قد قرر بالفعل ما سيفعل.

مرر جول مع بيتا رسالة لوينستون تقول أنه يخطط للمغادرة نحو بلده؛ مملكة دي بورغو.

من سبيل المصادفة، كان وينستون يخطط للترحال بعيدا عن المملكة التي ستثور فيها الحرب الأهلية قريبا كما يبدوا.

ملك مملكة زيوس يحتضر، ولن يكون غربيا وفاته في أي لحظة. وكبلد تملك عدة نبلاء مؤثرين، ستثور بالتأكيد حرب أهلية على من سيتولى العرش.

كان وينستون غير حاسم بشأن البلد الذي سيغادر إليه، ولكن مع رسالة جول كان قد قرر وجهته.

' مملكة دي بورغو...لا أذكر أني قد زرتها مجددا بعد فتح فرع شركتي فيها قبل عدة سنوات، ولن تكون تجربة سيئة زيارة مسقط رأس عميلي المفضل'.

فكر وينستون بابتسامة هادئة لكنها لا تخلوا من المكر.

مباشرة مع علمه بقرار جول، قرر التوصية له لمرافقته في قافلته المغادرة. وبالتأكيد بالنسبة لشركة تجارية كبيرة، ما الأفضل من مرافقة مغامر ذو تصنيف دولي في رحلة بين البلدان؟

لم يهتم جول بأفكار وينستون الداخلية كما ارتشف شايه بهدوء وعلم ألفا الآداب المناسبة لشرب الشاي. كما تحدث من حين لآخر مع وينستون بشأن الصفقة والعمل.

مر الوقت سريعا، وربما كان ذلك بعد عشر دقائق؟...دخل سيباستيان وقدم انحناءة خفيفة للجميع ثم تقدم نحو وينستون وهمس في أذنه.

" هاااه...".

تنهد وينستون بفارغ الصبر كما نظر بتعبير خطير نحو جول وتحدث.

" لقد تم تأكيد الأمر...".

كما انتشرت الفوضى في أرجاء القصر الملكي لمملكة زيوس، تزامن ذلك مع كلمات وينستون التالية.

" ...الملك غاونوس الثالث عشر...قد مات!".

***

في طريق غابي واسع قرب الحدود الشمالية الغربية لمملكة زيوس.

تقدمت قافلة عربات تحمل شعارات ذهبية اللون ونقش لعملتين ذهبيتين تصطدمان ببعضهما؛ تلك شعارات شركة فيرناستي.

أحاط بالقافلة جميع أنواع المغامرين من محاربين وسحرة، كذلك فرسان بدروع تلمع بلون فضي على خيولهم القوية.

كان هذا اليوم الثالث لرحلة العربة من العاصمة، وكذلك اليوم الأخير لجنازة الملك المتوفى. وبالتالي اليوم الأول لإعلان الصراع -الذي لطالما كان خفيا-عن السلطة.

كما هو معروف، عندما تندلع الحروب حول السلطة فعلى البلاد نفسها أن تغلق حدودها لمنع أي غزو محتمل خاصة خلال الفترة الحساسة.

نتيجة لذلك، طوال الأيام الثلاث الفائتة كان الخبر يقتاد على كامل البلاد على ظهر أسرع أنواع متوفرة من الأحصنة. لذا بالتأكيد سيكون عبور الحدود لخارج المملكة صعبا بدرجة كبيرة.

وهنا يأتي دور وينستون.

" لذا فأنت تقول أن الماركيز 'والتونيا' سيسمح بفتح الحدود إن كان لك؟".

سأل جول بتعبير هادئ.

" نعم بالفعل، هو طرف محايد في هذا الصراع وكذلك صديق قديم لوالدي لذا بالتأكيد سيفعل!".

رد وينستون بتعبير مبهج وفخور على سؤال جول.

داخل أفخم العربات ضمن القافلة، والتي تكون العربة الثانية في ترتيب الصف، تحدث كل من وينستون وجول وحيدين.

كانت بيتا تجلس في مقعد السائق بينما تتلق تعليما منه عن قيادة العربة، في حين أمسك ألفا بلجام حصان وحاول ركوبه لكنه بدلا من ذلك تسبب بمزيد من المشاكل لفرقة الفرسان.

" إذن متى سنصل لإقليم هذا الماركيز؟".

-" نحن بالفعل على مشارف أرضه، بحلول وقت الغروب سنصل".

أجاب وينستون على سؤال جول وهو يطلق نظرة سريعة على التضاريس خارج العربة.

كما قال وينستون سابقا، يعتبر الماركيز والتونيا طرفا محايدا في مسألة الصراع على العرش.

في الواقع تملك مملكة زيوس ثلاث ماركيزات مؤثرين، وأحدهم هو الماركيز والتونيا، وكذلك الماركيز دوغلاف، والماركيز هيدان. ثلاثتهم يمتلكون دماءا ملكية من الأجيال السابقة.

لكن عند النظر لأكثر من يملك الأحقية بالعرش فهو الماركيز والتونيا، يعتبر الطرفان المتصارعان أحفادا لأميرات سابقات، في حين الماركيز والتونيا يعتبر ابنا لأميرة.

لطالما طالبت العديد من العوائل النبيلة الماركيز والتونيا بتولي العرش، لكنه فضل الحياد على صراعات السياسة. لذلك حاول الماركيزان الآخران استمالته لجانبهم لزيادة فرصة الفوز، لكن بعقلية قوية رفضهم الماركيز والتونيا بكل برود.

فكر جول في القضية المعقدة بتعبيه الهادئ ونظر خارج النافذة. داخليا رفع جول ابهاما كبيرا لهذا الماركيز الذكي، لو كان جول مكانه لاتخذ نفس الخيار، مالمميز في العرش؟ لن يجلب سوى التعب والمزيد من المسؤولية. داخليا كان قد أحب المدعو والتونيا بالفعل.

" أمم سيد جوليان؟".

-" همم؟".

تحت طلب وينستون، حول جول وجهه ناحيته.

" في الواقع كنت قد تواصلت مع الماركيز والتونيا بالفعل، وقد قام بدعوتي على قضاء وقتنا في المقاطعة لديه في قصره، ما رأيك بمرافقتي؟".

واقترح وينستون. لم تبدو كفكرة سيئة، وقد جاءت في وقتها بالفعل، مؤخرا تصلب كتفا جول كثيرا من كثرة النوم في العراء أثناء التخييم خلال رحلتهم.

" لكن في الوقت الحالي أحاول إخفاء هويتي".

قال جول بصراحة، لكن لم يخب تعبير وينستون كثيرا كما عاد للإقتراح بابتسامة.

" لقد حزرت ذلك بالفعل، مارأيك لو أقدمك كابن لأحد أصدقائي إن كنت لا تمانع؟".

-" همم...في الواقع لن أرفض دعوة كهذه".

بعد تفكير بسيط، رد جول بابتسامة هادئة. كما ابتهج وينستون لسبب ما لهذا الرد.

***

بدأت الشمس تلوح في الأفق كما اقترب وقت غروبها.

طرق.طرق.طرق...

.

تردد صوت الطرق على نافذة العربة حيث كان كل من جول ووينستون يجلسان. هذه المرة كانت بيتا كذلك هناك.

في حين كان وينستون يتابع وثائقا بين يديه مع النظارة في عينيه، كان جول ينام بعمق مسندا رأسه على حضن بيتا، في حين كانت الأخيرة تحمل كتابا في يدها وتتابع محتوياته.

مع صدور صوت الطرق على النافذة، توقف كل من بيتا ووينستون قد حولا عيونهما نحو المصدر. رفع وينستون الستار وفتح النافذة، قابلته صورة فتى ذو سعر أسود وعيون بنية.

" أوه! سيد وينستون، أخبر سي- ...أ-أقصد جوليان أننا وصلنا!".

تحدث ألفا بذات التعبير المتحمس المناقض لأخته الصغيرة تماما، قبل مقابلة وينستون وبداية السفر، كان جول قد أخبر الأخوان أن ينادوه باسمه مباشرة كما لو كانوا أصدقاءا لتجنب الإشتباه.

لذا صحح ألفا كلماته سريعا، لكن ذلك الخطأ لم يفلت من أذني وينستون الحاد.

" هيااااه! هل وصلنا بالفعل؟".

قاطع الصوت المتثائب لجول أفكار وينستون تماما. نظر لجول الذي كان يحك عينيه بنعاس ولطف كالأطفال في سنه بتعبير معقد. في حين كان جول يعتذر لبيتا لأنه نام في حضنها لوقت طويل، كان وينستون يتذكر نسخة الفتى الذي تحدث معه بذكاء ومكر عند أول لقاء ويحاول ربطه بالفتى العفوي الحالي أمامه.

' هو بالتأكيد ليس طفلا عاديا!'.

لم تكن هذه المرة الأولى التي يفكر فيها وينستون هكذا بشأن جول.

***

إنتهى الفصل.

...

أعلم أعلم...لقد تأخرت.

ما باليد حيلة، حسنا...لقد رسبت في امتحاناتي

لكني أعدكم بأنني لن أتوقف عن الرواية حتى لو لم يظل لها قارئ واحد

فالبنسبة لي أنا أكتبها لأرضي شغفي. لكن شكرا على كل من يدعمني

بالمناسبة قد أتأخر مرة أخرى لكن لن 'أسحب'.

آمل أنكم استمتعتم بالفصل.

2021/02/24 · 155 مشاهدة · 1553 كلمة
Abir Bell
نادي الروايات - 2024